هل يصح الاستدلال بتقسيم الإمام الشافعي البدعة إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!
|
هل يصح الاستدلال بتقسيم الإمام الشافعي البدعة إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!
ابتداء وقبل هذا السؤال لا بد من سؤال آخر هو أصل المسألة، وهو:
هل الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - يقسم البدعة (في الدين) إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة.
فإن عنى الشافعي - رحمه الله تعالى - بأن البدعة (في الدين) منها ما يكون محمودًا ومنها ما يكون مذمومًا فقد ثبت بهذا الخلاف عند السلف في مسألة تقسيم البدعة في الدين إلى محمود ومذموم، ويتخرج بهذا الاستدلال لمن استدل به على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، وإن عنى الشافعي - رحمه الله تعالى - بالبدعة المحمودة المعنى اللغوي من الابتداء والإنشاء على غير مثال سابق فقد بطل الاستدلال بهذا التقسيم على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي.
يستدل البعض بما رواه أبو نعيم في الحلية بسنده عن الشافعي أنه قال: (البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة) على أن الشافعي - رحمه الله تعالى - يرى في الدين بدعة حسنة.
وجاء عنه بلفظ أوضح منه، وهو ما رواه البيهقي في مناقب الشافعي (٤٦٩/١) أن الشافعي قال:
المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما: ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا؛ فهذه البدعة الضلالة.
والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا؛ وهذه محدثة غير مذمومة.
وقد قال عمر - رضي الله عنه - في قيام شهر رمضان: "نعمت البدعة هذه" يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٦٣/٢٠): رَوَاهُ البيهقي بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمَدْخَلِ.
قلت - العبد الفقير -: و مما يؤيد ما وجه به ابن رجب كلام الشافعي - رحمهما الله - الوجوه التالية:
أولاها: حصر الشافعي - رحمه الله تعالى - معرفة الشرع لكل من كان دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستدلال بالنصوص من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس وأن من استحسن بغيرها فقد أحدث شيئًا على غير مثال سابق فقال في كتاب الرسالة ص٢٥:
وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفت في هذا، وفي العَدل، وفي جزاء الصيد، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيءٌ يُحدِثه لا على مثالٍ سبق.
الثاني: ثبوت ذم الشافعي لمحدثات لا أصل لها في الشريعة كالتغبير؛ فقد روى أبو نعيم في الحلية (١٤٦/٩) بإسناده عن الشافعي قال:
«خَلَّفْتُ بِالْعِرَاقِ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ التَّغبِيرَ، يَشْتَغِلُونَ بِهِ عَنِ الْقُرْآنِ».
الثالث: جَعَلَ الشافعيُّ - رحمه الله تعالى - الاستحسانَ سببًا لتجرؤ عامة المسلمين من غير أهل الذكر على الكلام في دين الله عز وجل بغير علم، فقال في كتاب الأم (٥٠٤/١):
وهذا يبين أن حرامًا على أحد أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسانُ الخبرَ، والخبرُ - من الكتاب والسنة - عينٌ يتأخَّى معناها المجتهدُ ليصيبه، كما البيتُ يتأخَّاه مَن غاب عنه ليصيبه، أو قَصَدَه بالقياس ....... ولو جاز تعطيلُ القياس جاز لأهل العقولِ من غير أهل العلم أن يقولوا فيما ليس فيه خبر بما يحضرهم من الاستحسان.
الرابع: أن الشافعي - رحمه الله تعالى - صنف كتابًا سماه (إبطال الاستحسان) طبع مع كتاب الأم (٣٠٩/٧).
أفيقال من أحد - بعد هذا البيان -: إن المحدثات في الدين عند الشافعي - رحمه الله تعالى - منها ما يكون حسنًا ومنها ما يكون مذمومًا؟!!!!!
رحم الله تعالى الإمام الشافعي، وجزاه عن الإسلام وأهله خيرًا.
تم تحرير الموضوع بواسطة : أحمد بن طه البنهاوي المصري
بتاريخ: 16-10-2021 04:40 مساء
و ....... لا دليل فيه من وجهين:
أحدهما: أن يُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَعَارِضَيْنِ إِذْ تَقَدَّمَ أَوَّلًا أَنَّ أَدِلَّةَ الذَّمِّ تَكَرَّرَ عُمُومُهَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، وَإِذَا تَعَاضَدَتْ أَدِلَّةُ الْعُمُومِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ، لَمْ يُقْبَلْ بعد ذلك التخصيص.
والثاني: على التنزل بفقد التَّعَارُضِ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الِاسْتِنَانَ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ مِنَ السنة النبوية، وذلك من وجهين:
أحدهما: أن السبب الذي لأجله جاء الْحَدِيثُ هُوَ الصَّدَقَةُ الْمَشْرُوعَةُ، بِدَلِيلِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ (جَرِيرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ ـ أو العباء ـ متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأى بهم مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فأذن وأقام، فصلى ثم خطب، فقال: «{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} الآية، وَالْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَشْرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}، تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حتى قال: ولو بشق تمرة».
قال: فجاء رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حتى رأيت وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ».
وَبَسَطَ ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ بَسْطًا شَافِيًا، وَأَصْلُ مَا أَتَى به من ذلك لشيخه عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهَا أَنَا آتِي بِهِ عَلَى نَصِّهِ، فَقَالَ:
.......
ثم نقل كلام القرافي والعز بن عبد السلام ثم قال في (٣٢٨:٣٢٧/١):
وَهُوَ [العز] يُصَرِّحُ مَعَ مَا قَبْلَهُ [القرافي] بِأَنَّ الْبِدَعَ تَنْقَسِمُ بِأَقْسَامِ الشَّرِيعَةِ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ تُحْمَلَ أَدِلَّةُ ذَمِّ الْبِدَعِ عَلَى الْعُمُومِ، بَلْ لَهَا مُخَصَّصَاتٌ.